رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

حصان ”الحشاشين” الأبيض .. ومفتاح ”جنة” اللغة والدراما!

المصير

الجمعة, 29 مارس, 2024

11:42 م


متعة متابعة الدراما التاريخية تكمن فى اتجاهين رئيسيين: أولهما يسير بالمتلقي نحو جمال اللغة وإسلوب الحوار المرسوم لإبراز أبعاد الشخصيات وتضافرها مع خيوط الأحداث .. وهذه المهمة تتطلب مؤلفا يجمع بين الثقافة الواسعة والحرفية في الكتابة والإبحار في مفردات وتعبيرات تفتح الشهية للتأمل والرغبة في الإنصات لما يقال، والاتجاه الآخر، أساسه بناء خطوط من المشاعر والخيال تتناغم مع الوقائع التاريخية، بل ودورها الفني هو تعميق تفسير هذه الحقائق وإضفاء معاني ورسائل إنسانية ودلالات فلسفية علي تفاصيلها، فيخرج المشاهد في نهاية كل حلقة بقيمة صادقة ونتيجة مثمرة!.

وسر غرام الجمهور في حقبة الثمانينات والتسعينات بهذا اللون الدرامي الدسم يرجع إلى ذكاء النجوم مع قطاع الإنتاج تحت مظلة الدولة وقتذاك في التسويق لانتصارات وفتوحات إسلامية بارزة، ورموز دينية مضيئة ثرية بالتحديات والمواقف التي تصلح مادة خصبة لتشكيلات الدراما ومعالجاتها الغزيرة بالأفكار والإجابات عن أسئلة حائرة في الأذهان وشاردة بين الأجيال، ثم إسناد صياغة ومراجعة هذه القضايا لنوعية منتقاة بعناية وفرز قاس من الكتاب ومحترفي السيناريو والحوار، على رأسهم عبد السلام أمين ومحفوظ عبد الرحمن وسامي غنيم، استطاعوا أن يوفروا خلطة سحرية بين موضوعية ودقة المعلومة التاريخية، وبين رؤيتهم الدرامية التي تحمل قراءتهم ما بين السطور ووجهة نظر مغايرة وأحيانا تربط بين الماضي والحاضر .. وتستشرف المستقبل أيضا!.
وتحدثت موهبة السيناريست الواعي عبد الرحيم كمال عن نفسها منذ أن ارتفعت أسهمه في بورصة كبار المؤلفين وكتاب الدراما مع عملاقي الشاشة نور الشريف ويحيى الفخراني .. وفي تجربته الأخيرة "الحشاشين" مع النجم الذكي كريم عبد العزيز تنطق ببراعة في نسج حوار بين الأبطال مغلف بمشاعر وأحاسيس بمقدور أي متفرج أن يحكم بها علي شخصية زعيم الطائفة الإرهابية حسن الصباح، دون الإغراق في أحداث فرعية أو ثانوية .. فعلى سبيل المثال، أي قارئ متبحر في التاريخ أو عابر سبيل من باب الفضول، يعلم أنه لم يتورع في قتل أحد أبنائه فداءً للدعوة وترسيخا لنبوته الزائفة، ولكن المؤلف برادار الحس الدرامي يصنع مشاهد بنظرات العين ومباراة اللسان بينه وبين أقرب الناس إليه لنشعر بفداحة التناقض بداخله بين الأب القاتل والزعيم الفاجر .. وقياسا على هذه البقعة السوداء، يخطو بنا السيناريو مع عبارات وجمل وإيحاءات الحوار نحو آفاق أرحب في التفكير والفهم والربط بين ما كان يحدث في قلب التاريخ، وبين ما يدور الآن من حولنا في صورة تنظيمات إرهابية بعناصرها المرتزقة، وأوجه الشبه بين "الصباح" وبين رؤوس الأفاعي التي تدير العالم وتحكم شعوبه وعبيده بهمسة نفس أو إشارة إصبع!.

وكلما اتسم الورق المكتوب بسلاسة الأسلوب مع الإيجاز في المعني، وقف الفنان أمامه - من النجم وحتى أصغر كومبارس يقول جملة واحدة- مشدوها ومستغلا الفرصة لإبراز قدراته وتفاعله مع مفردات لغة الحوار الغنية .. وفي رحلة الحشاشين تفوق العامية ببساطتها على الفصحي بكل ثقلها وميزان ذخيرتها، ونفذت سهام المؤلف مع كادرات المخرج بيتر ميمي إلى قلب وروح المشاهد قبل أن تخاطب العقل وتحرض على التفكير والتحليل .. وبالصوت والصورة، امتلك عبد الرحيم كمال مفتاح "جنة" اللغة والدراما وصار "الحصان الأبيض" في سباق رمضاني بين خيول الفكاهة والعنف و"عتاولة" الابتذال!!.